إعلانات
الثورة السورية من السلمية إلى السلفية.. ما دور الحكومة في هذا التحول.. بقلم مهند قصار
الجمعة - 22 حزيران - 2012 - 16:39 بتوقيت دمشق
التفاصيل

بدأت الثورة السورية في الخامس عشر من آذار من العام الماضي، واشتعل فتيلها حين قامت قوات الأمن باعتقال وتعذيب مراهقين من محافظة درعا بعد تجرؤهم بكتابة شعارات مناهضة للحكومة، ولكن لم يعلم أحد إلى الآن إن كانت شرارة الثورة عفوية وتقليداً أعمى لثورات تونس ومصر وليبيا أم مؤامرة مدبرة ضحيتها أولئك الشبان .

بدأت الثورة بشعارات مطالبة بالديمقراطية والحريات التي حُرمت منها الشعوب العربية لعقود من الزمن. فقد كان مصير كل مفكر عربي، أفكاره لا تستهوي حكومته، إما السجن أو الإبعاد أو العيش فقيراً مغموراً إن قرر الحياد في مواقفه. على كل الأحوال، لم تدم شعارات الإصلاح والديمقراطية مطولاً لأن الحكومة السورية صادرتها وجعلت منها شعارات جديدة رنانة يكررها المسؤولون في لقاءاتهم واجتماعاتهم حتى سئم منها الشارع السوري وانتقل إلى شعارات يصعب على الحكومة تكرارها.

لقد اغتالت الحكومة شعارات الثورة بعد مصادرتها، فلم يعد الإصلاح إلا شعاراً من شعارات القيادة، كتلك التي اعتدنا تكرارها منذ الصغر دون إقرانها بأي فعل يشابهها كالوحدة والحرية والإشتراكية والشفافية والمحاسبة والنقد والنقد الذاتي وغيرها. والآن عبارات الإصلاح والإصلاح الشامل هي رقم واحد في التصريحات المعاصرة للأزمة.

وللتماشي مع تلك الشعارات، قامت الحكومة بتشكيل لجان عدة منها لجنة مكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين عن قمع المظاهرات بالقوة. ولكن يبدو أن اللجنة تعمل كما يعمل موظفو القطاع العام الذين يقضي معظمهم وقته محتسياً الشاي أو المتة دون إنتاجية تذكر. كما بادرت الحكومة إلى عقد لقاء تحضيري لمؤتمر الحوار الشامل يجمع شرائح المجتمع بشقيه المؤيد والمعارض للسلطة، وانتهى اللقاء كما ابتدأ، فلم يؤخذ بأي بند من بنود بيانه الختامي من أي من الطرفين، ولم يعقد بعد ذلك اللقاء أي اجتماع فعلي، لأن المعارضة رفضت بمجملها المشاركة بالحوار بعد رفض الحكومة شرعنتها وإشراكها في إدارة شؤون الدولة.

واستمر تجاهل الحكومة السورية للحل السياسي الداخلي للأزمة وتركز إصرارها على أن الثورة هي عبارة عن مؤامرة خارجية تحاك ضد سورية. ولا أحد ينكر أن للثورة شق خارجي يتمثل في حرب بالوكالة بين قوى عالمية كبرى تتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من خلال ذراعها المادي والفكري المتمثل ببعض دول الخليج من جهة وروسيا والصين المدافعتين عن وجودهما كأقطاب دولية مؤثرة على الساحة الدولية من جهة أخرى. واستمر التعاطي الأمني مع الأزمة والتباطؤ والتأخر بالإصلاحات السياسية إلى أن تفاقمت الأزمة وازداد سيلان الدم من الطرفين وذلك بعد أن أعلنت عدة دول عربية وغربية عن إمدادها للمعارضة بالسلاح المتطور بعد أن زودوه بأكبر تغطية إعلامية وإشباعها لهم بالأفكار المتطرفة والتكفيرية. وتعددت جبهات المعارضة، فمنها تنظيم الإخوان المسلمين الذي يسيطر على "المجلس الوطني السوري"، و"الجيش الحر" الذي يتبع أحياناً للمجلس الوطني وأحياناً يستقل عنه، حسب مصالحه المادية، و"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة والتي يبدو أن اختصاصها يتركز بتزويد الانتحاريين الذين لا يميزون بين مدني وعسكري أو رجل ورضيع. وللغرابة فإن الغرب الذي يمثل دور الشرطي الدولي الذي يحارب الإرهاب في أفغانستان والصومال والعراق يقوم بدعمه مادياً ولوجستياً وإعلامياً في سورية. فقد كرر وزير الدفاع الأمريكي ووزيرة الخارجية الأمريكية تخوفهم من انخراط القاعدة بين صفوف المعارضة السورية وفي الوقت ذاته أعلنا عن تقديم الدعم اللوجستي والمادي لها!

لقد أعلنت القوى المعارضة عن نهاية الثورة السلمية المطالبة بالحريات والديمقراطية وحولتها إلى حرب طائفية بجدارة لا تخدم أحداً إلا دول الغرب التي تسعى قدماً للحصول على مربع جديد في رقعة الشطرنج المتنازع عليها.

تحدثت منذ أيام مع شاب عربي مغترب مثقف وصف نفسه بـ "الإسلامي" وتبادلنا أطراف الحديث الذي كان ساخناً أحياناً بشأن الأزمة السورية، وأصر أن دعوة علماء "الإسلاميين" للجهاد في سورية هي واجب شرعي على كل مسلم مستنداً على فتوى "ابن تيمية" التي وصفها لي بالقول "إن كان لديك عشرة أسهم يجب عليك إطلاق تسعة باتجاه النصيريين وواحد باتجاه اليهود" وذلك، حسب تعبيره، لتخليص السوريين من حكم "الكفرة"، وأضاف أن حال الفوضى في سورية ما هو إلا مرحلة انتقالية لتحويل الشام إلى منطقة إسلامية كما تنبأ الرسول الكريم لنهاية الزمان. وأشار إلى أن الجهاد واجب على كل رجل قادر، وتخلف المسلمين عنه أمر سيعاقبون عليه. كما ألقى بتهمة التكفير على علماء المسلمين في سورية كالمفتى أحمد كفتارو والمفتي أحمد بدر الدين حسون وعلماء الشام واتهم العلامة البوطي بالنفاق؛ وبذلك أصبح كل من لا يؤيد آراء مفكريه فهو كافر، وحسب المفاهيم التي يحملها فإن كل كافر تباح حياته وتصبح زوجته وأمواله غنيمة للمسلمين. فإن كان علماء الشام كفرة فكم من السهل إطلاق تلك التهمة على عامة الناس.

في ذلك التطور الخطير للثورة ودخول مئات المقاتلين من جنسيات مختلفة إلى الداخل السوري، حيث أكد معهد واشنطن وجود مسلحين من حوالى العشرين جنسية غير السورية تقاتل إلى جانب الجيش الحر، فما هو إذاً مصير سورية والسوريين؟

إن انتصر النظام، فستعود حليمة إلى عادتها القديمة ويكون دم كل من قُتل في سبيل حريات الرأي والديمقراطية قد ذهب سدىً، وسيتورم أذيال النظام ويزداد حجمهم أكثر من ذي قبل. ولكن إن انتصرت الثورة بشقها الإسلامي فستقسم سورية إلى دويلات متقاتلة سنية وعلوية ومسيحية ودرزية وشيعية وكردية، وسيقى السلاح في يد المسلحين الذين وجد بعضهم أن أسهل مهنة هي تجارة الرهائن، وستكثر حينها النزاعات الطائفية والاقتتال المذهبي، وستكون تلك ذريعة للتدخل الأمريكي السهل حينها لحماية المدنيين، وستصبح دويلات سورية مستعمرات أمريكية تُنهب مقدراتها ويُستعبد شعبها، ويسهل بذلك على إسرائيل تحقيق مرادها وهدفها المرسوم على علمها وهو السيطرة على المنطقة الواقعة بين النهر والنهر، وخاصة بعد توعد الإخوان المسلمين في مصر مع بدايات الثورة المصرية على الحفاظ على مكتسبات إسرائيل من مصر.

ها هو الشعب السوري الآن يواجه خيار تقرير مصيره، وهي من المرات النادرة التي يمارس فيها ديمقراطيته. فإلى أي الخيارات سيذهب؟ القديم المعروف أم الجديد المجهول؟ وفي مثل هذا الموقف وقف هاملت الشيكسبيري ليطلق سؤاله الشهير متحيراً بين الحياة مع الواقع المرير أو الموت والذهاب إلى المجهول بقوله "أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال". ويبقى الجواب رهينة وعي الشعب السوري وتعلمه من كيس الثورات العربية التي سبقته.


مهند قصار

[email protected]

أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مساهمات القراء "

5-8-2013
مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين
أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ...


6-6-2013
القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا
القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ...


2-2-2013
سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟
  لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ...

31-1-2013
غارة كشف القناع
  لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ...

28-1-2013
شاهد على مجزرة....
  السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ...


19-1-2013
""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ...
  بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، ...


19-1-2013
العرب...أقلية في ســــوريا !!
  منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ...


7-1-2013
أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان
  كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ...

30-12-2012
بعد كل مخاض ... ولادة
كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ...

30-12-2012
ياوزير العدل
كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ...

30-12-2012
التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي
كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ...


20-12-2012
محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر
  ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ...

20-10-2012
قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص
  رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ...

20-10-2012
رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر
  كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ...

20-10-2012
ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب
يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ...

20-10-2012
تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي
  مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ...