إعلانات
لعبة الملوك بقلم.. عمر محمد بلط
الثلاثاء - 15 أيار - 2012 - 16:41 بتوقيت دمشق
التفاصيل

قد لا نجيد التعامل مع الملوك والزعماء. لكن الفطرة البشرية مجبولة على التمييز بين الخير والشر، ويبقى قبولُ ذلك أو رفضه متعلق بالفاعل، فقد يقوم الملك بفعل شنيع ولا أخلاقي، لكن المنافقون الذين يحيطون به وينتفعون من فضلاته يصفقون لهذا الفعل ويمجدونه، في حين أن نفس العمل لو بدر من إنسان عادي قد يُحكم عليه بالإعدام أو السجن، أو نفور الناس منه.

الإقدام على استئصال ملِك من جذوره يحتاج إلى ثورة تودي بحياة الالاف من الناس، لكن بقاءه لا يحتاج إلا إلى قليل من المنافقين الذين يصفقون، ثم ينافقون، ثم يسرقون ما يتركه الملك من فُتاتٍ حتى لا يبقى للشعب إلا الهم والغم ولا يعد يفكر إلا في جمع لقمة العيش لعائلته، وينسى أفعال الملك وحاشيته.

الملوك دائما في دائرة الخوف، فحتى الملك العادل يخاف من بطش الأشرار كما حدث للخليفة عمر بن الخطاب الذي ملأ الدنيا عدلا وأمناً، لكن سنة الكون لم تتركه بمأمن من معادلة الخير والشر، ويقول الفيلسوف افلاطون: ليس من الضروري أن تربح المعركة بقوتك، فقد يكون الربح نتيجة ضعف الخصم أثناء المعركة، أو خيانة أحد من قواده.

وبما أننا تكلمنا عن الخيانة فلا بد أن نذكر أنها لا وجود لها عندما يكون الملك شخصا تافها تُحركه الأصابع كما يحدث في لعبة الشطرنج، أو كما يحدث في بعض الدول العربية، التي لا يملك رؤساؤها و ملوكها لأنفسهم ضُرا ولا نفعا، وليس لهم من منصبهم إلا الكرسي وإلقاء الخُطب التي يكتبها لهم زبانيتهم في المناسبات والأزمات.

لا يوجد فرق في نتائج اللعبة بين الملك وزبانيته، إذا كانت المباراة في الربيع أو كانت في الصقيع، فقبل أن يقول اللاعب: كش ملك، يجب أن يضحي بمعظم جنوده وأركان حربه حتى يحصل على النصر، لكن المُلاحظ أن الملك يقف دائما في الصف الخلفي يتفرج على الجنود وهم يُقتلون، ثم يتقدم ليُعلن النصر على أشلاء قومه.

لا يذهب أحد بتفكيره بعيدا فكلنا لاعبون ماهرون وبيدنا مفاتيح العمار أو الدمار، والموظف في دائرته هو المسؤول عن نجاحها وفشلها، حتى لو كان رئيسه في الوزارة منافق دجال، لكنه في كل الأحوال مُطالب بالكلام، ففي نصائح لقمان لابنه يقول: لا تندم يابني على الكلام، لأنك ستتعلم على السكوت.... ولا تكن حُلوا فتُبلع ولا مرا فتُلفظ، ولكل قوم كلب، فلا تكن كلب قومك، ويتم لقمان موعظته لابنه فيقول:

كن عظيما وَدودا، قبل أن يجعلك عدوّك عظاما و دودا، وهنا يعلم لقمان الحكيم ابنه أن يرافق العظمة بالحب والود وهو يتعامل مع خصمه حتى لا يكون هناك ضحايا ودماء، وجثث وأشلاء، ومن أعظم آداب الشطرنج أن لا يتدخل أحد من المتفرجين لصالح أحد، حتى ولو شارف الملك على الهلاك.

نحن نجيد السخرية من بعضنا في الأزمات، لكننا لا نعرف كيف نمسك بأيدي بعضنا لنخرج بأقل الخسائر عندما تغرق السفينة، وأنا أحترم القراء الذين يسخرون أحيانا من آرائي، لأنني أريد المزيد من الأصدقاء، لكنني لن أندم على فقدان أحد لا يريد الخير لهذا الوطن.

ارتطم شاب، وهو يقود دراجته، بعجوز، فسقطت على الأرض، وبدلا من أن يساعدها على النهوض، تابع سيره وهو يضحك، فنادته العجوز: عُد يا بني فقد سقط شيء منك.

عاد الشاب إلى المكان وبدأ يبحث في الأرض، فقالت له العجوز: لا تتعب نفسك يا بني لأنك لن تجد شيئا، فقد سقطت منك كرامتك.

من السهل جدا أن نعوض شهداء سوريا، لكننا لن نجد كرامة الوطن إذا ضاعت، وستبقى كرامة الوطن مُصانة إذا كان الملك وجنوده في صف واحد، وسنشهد جميعا بالذكاء لمصمم رقعة الشطرنج، لأنه لم يضع بين اللاعبين... كلاب !!

 


د.عمر محمد بلط

[email protected]

أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مساهمات القراء "

5-8-2013
مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين
أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ...


6-6-2013
القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا
القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ...


2-2-2013
سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟
  لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ...

31-1-2013
غارة كشف القناع
  لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ...

28-1-2013
شاهد على مجزرة....
  السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ...


19-1-2013
""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ...
  بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، ...


19-1-2013
العرب...أقلية في ســــوريا !!
  منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ...


7-1-2013
أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان
  كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ...

30-12-2012
بعد كل مخاض ... ولادة
كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ...

30-12-2012
ياوزير العدل
كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ...

30-12-2012
التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي
كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ...


20-12-2012
محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر
  ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ...

20-10-2012
قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص
  رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ...

20-10-2012
رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر
  كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ...

20-10-2012
ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب
يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ...

20-10-2012
تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي
  مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ...